تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 62 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 62

62 : تفسير الصفحة رقم 62 من القرآن الكريم

** لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ
روى وكيع في تفسيره عن شريك, عن أبي إسحاق, عن عمرو بن ميمون {لن تنالوا البر} قال: الجنة, وقال الإمام أحمد: حدثنا روح, حدثنا مالك, عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, سمع أنس بن مالك, يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً, وكان أحب أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, قال أنس: فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله, إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}, وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء, وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله تعالى, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم, «بخ بخ ذاك مال رابح, ذاك مال رابح, وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين», فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله, فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه, أخرجاه, وفي الصحيحين أن عمر قال يا رسول الله لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر, فما تأمرني به ؟ قال: حبس الأصل وسبل الثمرة» وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني, حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا محمد بن عمرو, عن أبي عمرو بن حماس, عن حمزة بن عبد الله بن عمر, قال: قال عبد الله: حضرتني هذه الاَية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممما تحبون} فذكرت ما أعطاني الله, فلم أجد شيئاً أحب إليّ من جارية لي رومية , فقلت: هي حرة لوجه الله, فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها, يعني تزوجتها.

** كُلّ الطّعَامِ كَانَ حِـلاّ لّبَنِيَ إِسْرَائِيلَ إِلاّ مَا حَرّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىَ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزّلَ التّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتّبِعُواْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قال الإمام أحمد: حدثنا هشام بن القاسم, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, قال: قال ابن عباس حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي, قال: «سلوني عما شئتم, ولكن اجعلوا لي ذمة الله, وما أخذ يعقوب على بنيه, لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعني على الإسلام» قالوا: فذلك لك, قال: فسلوني عما شئتم. قالوا: اخبرنا عن أربع خلال: أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه ؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل ؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم, ومن وليه من الملائكة ؟ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه, فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً وطال سقمه, فنذر لله نذراً لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه, وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل, وأحب الشراب إليه ألبانها» ؟ فقالوا: اللهم نعم: قال: «اللهم اشهد عليهم». وقال «أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو, الذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ, وماء المرأة أصفر رقيق, فأيهما علا كان له الولد, والشبه بإذن الله إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكراً بإذن الله, وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله» ؟ قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد عليهم». وقال: «أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى, هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه, ولا ينام قلبه» ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: «اللهم اشهد» قالوا: وأنت الاَن فحدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك و نفارقك قال: «إن وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه, قالوا: فعندها نفارقك, لو كان وليك غيره لتابعناك, فعند ذلك قال الله تعالى: {قل من كان عدواً لجبريل} الاَية, ورواه أحمد أيضاً عن حسين بن محمد عن عبد الحميد به,
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري, حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي, عن بكير بن شهاب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا يا أبا القاسم, إنا نسألك عن خمسة أشياء, فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك, فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال {والله على ما نقول وكيل} قال« هاتوا» قالوا: أخبرنا عن علامة النبي قال: «تنام عيناه ولا ينام قلبه», قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة, وكيف تذكر ؟ قال: «يلتقي الماءان, فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة, أذكرت, وإذا علا ماء المرأة أنثت» قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال: كان يشتكي عرق النسا, فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا ـ قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل ـ فحرم لحومها» قالوا: صدقت, قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال: «ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده ـ أو في يديه ـ مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله عز وجل» قالوا: فما هذا الصوت الذي يسمع ؟ قال «صوته». قالوا صدقت, إنما بقيت واحدة, وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها, إنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك ؟ قال: «جبريل عليه السلام», قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا, لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر, لكان, فأنزل الله تعالى: {قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين} والاَية بعدها, وقد رواه الترمذي والنسائي, من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه, وقال الترمذي : حس غريب, وقال ابن جريج والعوفي عن ابن عباس: كان إسرائيل عليه السلام ـ وهو يعقوب ـ يعتريه عرق النسا بالليل, وكان يقلقه ويزعجه عن النوم, ويقلع الوجع عنه بالنهار, فنذر لله لئن عافاه الله لا يأكل عرقاً ولا يأكل ولد ما له عرق, وهكذا قال الضحاك والسدي, كذا رواه وحكاه ابن جرير في تفسيره, قال: فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استناناً به واقتداء بطريقه, قال: وقوله {من قبل أن تنزل التوراة} أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة, قلت: ولهذا السياق بعدما تقدم مناسبتان {إحداهم} أن إسرائيل عليه السلام حرم أحب الأشياء إليه وتركها لله, وكان هذا سائغاً في شريعتهم فله مناسبة بعد قوله {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فهذا هو المشروع عندنا,وهو الإنفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه, كما قال تعالى: {وآتى المال على حبه} وقال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه} الاَية.
(المناسبة الثانية) لما تقدم بيان الرد على النصارى, واعتقادهم الباطل في المسيح وتبيين زيف ما ذهبوا إليه وظهور الحق واليقين في أمر عيسى وأمه, كيف خلقه الله بقدرته ومشيئته وبعثه إلى بني إسرائيل يدعو إلى عبادة ربه تبارك وتعالى, شرع في الرد على اليهود قبحهم الله تعالى وبيان أن النسخ الذي أنكروا وقوعه وجوازه قد وقع, فإن الله تعالى قد نص في كتابهم التوراة أن نوحاً عليه السلام لما خرج من السفينة, أباح الله له جميع دواب الأرض يأكل منها, ثم بعد هذا حرم إسرائيل على نفسه لحمان الإبل وألبانها فاتبعه بنوه في ذلك, وجاءت التوراة بتحريم ذلك, وأشياء أخرى زيادة على ذلك, وكان الله عز وجل قد أذن لاَدم في تزويج بناته من بنيه, وقد حرم ذلك بعد ذلك , وكان التسري على الزوجة مباحاً في شريعة إبراهيم عليه السلام, وقد فعله إبراهيم في هاجر لما تسرى بها على سارة, وقد حرم مثل هذا في التوراة عليهم, وكذلك كان الجمع بين الأختين سائغاً, وقد فعله يعقوب عليه السلام جمع بين الأختين, ثم حرم عليهم ذلك في التوراة, وهذا كله منصوص عليه في التوراة عندهم, وهذا هو النسخ بعينه, فكذلك فليكن ما شرعه الله للمسيح عليه السلام, في إحلاله بعض ما حرم في التوراة, فما بالهم لم يتبعوه ؟ بل كذبوه وخالفوه ؟ وكذلك ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين القويم, والصراط المستقيم, وملة أبيه إبراهيم, فما بالهم لا يؤمنون ؟ ولهذا قال تعالى: {كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} أي كان حلاً لهم, جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل, ثم قال تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} فإنها ناطقة بما قلناه {فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون} أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائماً, وأنه لم يبعث نبياً آخر يدعو إلى الله بالبراهين والحجج بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه {فأولئك هم الظالمون} ثم قال تعالى: {قل صدق الله} أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن, {فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية, وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم, كما قال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم * ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين} وقال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}.

** إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيّـنَاتٌ مّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللّهِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنّ الله غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ
يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم, يطوفون به, ويصلون إليه, ويعتكفون عنده {للذي ببكة} يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه, ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك ونادى الناس إلى حجه, ولهذا قال تعالى: {مبارك} أي وضع مباركاً {وهدى للعالمين} وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن الأعمش, عن إبراهيم التيمي, عن أبيه, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قلت يا رسول الله, أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال «المسجد الحرام». قلت: ثم أي ؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم بينهما ؟ قال: «أربعون سنة». قلت: ثم أي ؟ قال: «ثم حيث أدركتَ الصلاة فصل فكلها مسجد» وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا سعيد بن سليمان, عن شريك, عن مجالد, عن الشعبي, عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مبارك} قال: كانت البيوت قبله, ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله. وحدثنا أبي, حدثنا الحسن بن الربيع, حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن خالد بن عرعرة, قال: قام رجل إلى علي رضي الله عنه, فقال: ألا تحدثني عن البيت, أهو أول بيت وضع في الأرض ؟ قال: لا, ولكنه أول بيت وضع فيه البركة مقام إبراهيم, ومن دخله كان آمناً, وذكر تمام الخبر في كيفية بناء إبراهيم البيت, وقد ذكرنا ذلك مستقصى في أول سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا, وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقاً, والصحيح قول علي رضي الله عنه. فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه دلائل النبوة من طريق ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب, عن أبي الخير, عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء, فأمرهما ببناء الكعبة, فبناه آدم, ثم أمر بالطواف به, وقيل له: أنت أول الناس, وهذا أول بيت وضع للناس» فإنه كما ترى من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف. والأشبه. والله أعلم, أن يكون هذا موقوفاً على عبد الله بن عمرو, ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب.
وقوله تعالى: {للذي ببكة} بكة من أسماء مكة على المشهور, قيل: سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها وقيل: لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون. قال قتادة: إن الله بك به الناس جميعاً, فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها, وكذا روى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ومقاتل بن حيان. وذكر حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: مكة من الفج إلى التنعيم, وبكة من البيت إلى البطحاء, وقال شعبة, عن المغيرة, عن إبراهيم: بكة البيت والمسجد, وكذا قال الزهري. وقال عكرمة, في رواية, وميمون بن مهران: البيت وما حوله بكة, وما وراء ذلك مكة. وقال أبو صالح وإبراهيم النخعي وعطية العوفي ومقاتل بن حيان: بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة, وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة, وبكة, والبيت العتيق, والبيت الحرام, والبلد الأمين, والمأمون, وأم رحم, وأم القرى, وصلاح, والعرش على وزن بدر, والقادس لأنها تطهر من الذنوب, والمقدسة, والناسة بالنون, وبالباء أيضاً والحاطمة, والنسّاسة, والرأس, وكوثاء والبلدة, والبنية, والكعبة.
وقوله تعالى: {فيه آيات بينات} أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم, وأن الله عظمه وشرفه, ثم قال تعالى: {مقام إبراهيم} يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران, حيث كان يقف عليه ويناوله إسماعيل, وقد كان ملتصقاً بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه, ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف, لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقد قدمنا الأحاديث في ذلك فأغنى عن إعادتها ههنا, و لله الحمد والمنة. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} أي فمنهنّ مقام إبراهيم والمشْعَر. وقال مجاهد: أثر قدميه في المقام آية بينة, وكذا روى عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم, وقال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة:
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبةعلى قدميه حافياً غير ناعل

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد وعمرو الأودي, قالا: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس, في قوله تعالى: {مقام إبراهيم} قال: الحرم كله مقام إبراهيم, ولفظ عمرو: الحجر كله مقام إبراهيم, وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحج مقام إبراهيم هكذا رأيته في النسخة, ولعله الحجر كله مقام إبراهيم, وقد صرح بذلك مجاهد. وقوله تعالى: {ومن دخله كان آمن} يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء, وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية, كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم, فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو يحيى التّيْمي, عن عطاء, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله تعالى {ومن دخله كان آمن} قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت, ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى, فإذا خرج أخذ بذنبه, وقال الله تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم} الاَية, وقال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره, وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها, كما ثبتت الأحاديث والاَثار في ذلك عن جماعة من الصحابة مرفوعاً وموقوفاً. ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فتح مكة «لا هجرة ولكن جهاد ونية, وإذا استنفرتم فانفروا» وقال يوم الفتح فتح مكة «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله, إلى يوم القيامة, وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي, ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده, ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها, ولا يختلى خلاها» فقال العباس: يا رسول الله, إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم, فقال «إلا الإذخر», ولهما عن أبي هريرة مثله أو نحوه, ولهما واللفظ لمسلم أيضاً عن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي, وأبصرته عيناي حين تكلم به, إنه حمد الله وأثنى عليه, ثم قال «إن مكة حرمها الله, ولم يحرمها الناس, فلا يحل لامريء يؤمن با لله واليوم الاَخر أن يسفك بها دماً, ولا يعضد بها شجرة, فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب». فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو ؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح, إن الحرم لا يعيذ عاصياً, ولا فاراً بدم, ولا فاراً بخَزْية, وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا يحل لأحد كم أن يحمل بمكة السلاح» رواه مسلم. وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحَزْوَرَة بسوق مكة, يقول «والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». رواه الإمام أحمد, وهذا لفظه, والترمذي والنسائي وابن ماجه, وقال الترمذي: حسن صحيح, وكذا صَحّح من حديث ابن عباس نحوه وروى أحمد عن أبي هريرة نحوه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان, حدثنا أبو عاصم, عن زريق بن مسلم الأعمى مولى بني مخزوم, حدثني زياد ابن أبي عياش, عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله تعالى: {ومن دخله كان آمن} قال: آمناً من النار. وفي معنى هذا القول الحديث الذي رواه البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان, حدثنا أحمد بن عبيد, حدثنا محمد بن سليمان الواسطي, حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا ابن المؤمل عن ابن محيصن, عن عطاء, عن عبد الله بن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من دخل البيت دخل في حسنة, وخرج من سيئة, وخرج مغفوراً له» ثم قال: تفرد به عبد الله بن المؤمل, وليس بالقوي. وقوله {و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل} هذه آية وجوب الحج عند الجمهور. وقيل: بل هي قوله {وأتموا الحج والعمرة لله}, والأول أظهر. وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده, وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً ضرورياً, وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع. قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا الربيع بن مسلم القرشي, عن محمد بن زياد, عن أبي هريرة, قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال «أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا» فقال رجل: أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» ثم قال «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم, وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم, وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه», ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن يزيد بن هارون به نحوه. وقد روى سفيان بن حسين وسليمان بن كثير وعبد الجليل بن حميد ومحمد بن أبي حفصة عن الزهري, عن أبي سنان الدؤلي واسمه يزيد بن أمية, عن ابن عباس رضي الله عنه, قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج» فقام الأقرع بن حابس, فقال: يا رسول الله أفي كل عام ؟ فقال «لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها, الحج مرة فمن زاد فهو تطوع» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه, والحاكم من حديث الزهري به, ورواه شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه. وروي من حديث أسامة بن يزيد.
قال الإمام أحمد: حدثنا منصور بن وردان عن علي بن عبد الأعلى, عن أبيه, عن أبي البَخْتَري, عن علي رضي الله عنه, قال: لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل} قالوا: يا رسول الله في كل عام ؟ فسكت, قالوا: يا رسول الله في كل عام ؟ قال «لا, ولو قلت نعم لوجبت», فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وكذا رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث منصور بن وردان به, ثم قال الترمذي, حسن غريب, وفيما قال نظر, لأن البخاري قال: لم يسمع أبو البختري من علي. وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير, حدثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن أنس بن مالك, قال: قالوا: يا رسول الله, الحج في كل عام ؟ قال«لو قلت نعم لوجبت, ولو وجبت لم تقوموا بها, ولو لم تقوموا بها, لعذبتم». وفي الصحيحين من حديث ابن جريج عن عطاء, عن جابر, عن سراقة بن مالك, قال يا رسول الله, متعتنا هذه لعامنا هذا, أم للأبد ؟ قال «لا, بل للأبد». وفي رواية «بل لأبد أبد».
وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لنسائه في حجته «هذه ثم ظهور الحصر ـ يعني ثم الزمن ظهور الحصر ـ ولا تخرجن من البيوت» وأما الاستطاعة فأقسام: تارة يكون الشخص مستطيعاً بنفسه, وتارة بغيره كما هو مقرر في كتب الأحكام, قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد بن حميد, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا إبراهيم بن يزيد, قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول الله ؟ قال: «الشعث التفل», فقام آخر فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله ؟ قال: «العج والثج», فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله ؟ قال: «الزاد والراحلة», وهكذا رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الخوزي, قال الترمذي: ولا نعرفه إلا من حديثه, وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه, كذا قال ههنا وقال في كتاب الحج: هذا حديث حس. لا يشك أن هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات سوى الخوزي هذا, وقد تكلموا فيه من أجل هذا الحديث, لكن قد تابعه غيره, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري, حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي, عن محمد بن عباد بن جعفر, قال: جلست إلى عبد الله بن عمر, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ما السبيل ؟ قال «الزاد والراحلة» وهكذا رواه ابن مردويه من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير به ثم قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك, وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى من حديث أنس وعبد الله بن عباس وابن مسعود وعائشة كلها مرفوعة, ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرر في كتاب الأحكام, والله أعلم. وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مردويه بجمع طرق هذا الحديث, ورواه الحاكم من حديث قتادة عن حماد بن سلمة, عن قتادة, عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله عز وجل {من استطاع إليه سبيل} فقيل: ما السبيل ؟ قال «الزاد والراحلة», ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه. وقال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا ابن علية عن يونس, عن الحسن, قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل} فقالوا: يا رسول الله ما السبيل ؟ قال «الزاد والراحلة», ورواه وكيع في تفسيره عن سفيان, عن يونس به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا الثوري, عن إسماعيل وهو أبو إسرائيل الملائي, عن فضيل, يعني ابن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعجلوا إلى الحج ـ يعني الفريضة ـ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له». وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي, عن مهران بن أبي صفوان, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أراد الحج فليتعجل» ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي معاوية الضرير به. وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله {من استطاع إليه سبيل} قال: من ملك ثلثمائة درهم فقد استطاع إليه سبيلاً, وعن عكرمة مولاه أنه قال: السبيل الصحة وروى وكيع بن الجراح عن أبي جناب يعني الكلبي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس, قال {من استطاع إليه سبيل} قال «الزاد والبعير» وقوله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه. وقال سعيد بن منصور عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن عكرمة, قال: لما نزلت {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} قالت اليهود: فنحن مسلمون, قال الله عز وجل: فاخْصِمهم فحجهم, يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلاً» فقالوا: لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا, قال الله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود, حدثنا مسلم بن إبراهيم, وشاذ بن فياض, قالا: حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني, حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث, عن علي رضي الله عنه,قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من ملك زاداً وراحلة ولم يحج بيت الله, فلا يضره مات يهودياً أو نصرانياً, ذلك بأن الله قال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً * ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} ورواه ابن جرير من حديث مسلم بن إبراهيم به, وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة الرازي: حدثنا هلال بن فياض, حدثنا هلال أبو هاشم الخراساني, فذكره بإسناده مثله, ورواه الترمذي عن محمد بن يحيى القطعي عن مسلم بن إبراهيم, عن هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي به, وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وفي إسناده مقال, وهلال مجهول, والحارث يضعف في الحديث. وقال البخاري: هلال هذا منكر الحديث. وقال ابن عدي: هذا الحديث ليس بمحفوظ. وقد روى أبو بكر الإسماعيلي الحافظ من حديث أبي عمرو الأوزاعي: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر, حدثني عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من أطاق الحج فلم يحج, فسواء عليه يهودياً مات أو نصرانياً, وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه. وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري, قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة فلم يحج, فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين, ما هم بمسلمين.

** قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ
هذا تعنيف من الله تعالى للكفرة أهل الكتاب على عنادهم للحق, وكفرهم بآيات الله, وصدهم عن سبيل الله من أراده من أهل الإيمان بجهدهم وطاقتهم, مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله, بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين والسادة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجميعن, وما بشروا به ونوهوا به من ذكر النبي الأمي الهاشمي العربي المكي سيد ولد آدم, وخاتم الأنبياء, ورسول رب الأرض والسماء, وقد توعدهم الله على ذلك, وأخبر بأنه شهيد على صنيعهم ذلك بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء ومعاملتهم الرسول المبشر به بالتكذيب والجحود والعناد, فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون, أي وسيجزيهم على ذلك {يوم لا ينفع مال ولا بنون}.